عادةً ما يتداخل التصميم والديكور فيختلط الحابل بالنابل، لكن التصميم يدور حول ردّات فعل تجاه المشكلات، يدور حول الحلول وليس المرئيات.
عندما كنت صغيراً، بنيت سلماً ساعد أصدقائي في تسلق ربوة تصل إلى منزلنا في الشجرة. أذكر أنّ تلك كانت محاولتي الأولى في حل مشكلة. لم يكن العيب في الربوة وأنا لا أضمر أيّ شرور للرّبوات، إنما خطر ببالي، لا بد من وجود حل أفضل. هوسي في التحسين والتطوير في تصميم الأشياء استمر إلى يومنا هذا.
عادةً ما نسمع العبارة التي تقول “التصميم هو حل المشكلة”، أظنه تعبيراً قريباً من كبد الحقيقة، لكني أعتقد حقاً أن التصميم ردّة فعل للمشكلات. لا تحتاج التصاميم ولا ينبغي بها أن تكون الإجابة المثالية. التصميم ليس مسألة رياضيات والإجابة التي نبحث عنها ليست رقماً ثابتاً.
تحّسن متواصل
دعنا نفترض أنك مشيت طوال النهار وتريد أن تجلس الآن، ما هي خياراتك؟ مقعد أو كرسي أو كرسيّ بلا ظهرٍ وذراعين … يوجد خيارات عديدة يسعك الإستفادة منها لأجل جلسة واحدة. ومن ضمن هذه الخيارات هناك المزيد من الخيارات على غرار: كرسيّ (إيكيا) بلا ظهر وذراعين أو مقعد حديقة أو كرسي (هيرمان ميلر.
جميع هذه الخيارات ما هي إلاّ ردّات فعل لمشكلة الجلوس والشعور بالراحة، جميعها ستفي بالغرض، ويصعب القول أنّ أيّ منها سيكون خاطئاً. لكن كلما صارت التصاميم أكثر تهذيباً وأعمق فكراً، صارت ردّات الفعل أفضل أداءً. نحن لا نبحث عن إجابة إنما نبحث عن ردّة فعل أفضل، ودوماً هناك متسعٌ لإحداث تحسينات، لكنّي حقاً أحب كرسيّ (الـ هيرمان ميلر).
فكّروا بـ (الفيسبوك)، أيسعكم القول أنّ (فيسبوك) كان مثالي في يوم إطلاقه؟ أكان مثالي في اليوم الذي سجّلت فيه؟ أهو مثالي اليوم؟ أتتوقع منه أن يكون مثالي في المستقبل؟ كلا. أيعني أنه صُمم بطريقة سيئة نتيجة ردةّ فعل تجاه رغبة واضحة؟ كلا. كل عملية تكرير أجراها (فيسبوك) كانت ردّة فعل جيدة، لكن أياً منها لم ترتقي إلى درجة المثالية. ولو أنني لست أحد أكبر المعجبين في فيسبوك – أقصدها بصريح العبارة -، لكني أقر بأنه حقق نجاحات لا يُستهان بها. تجارتهم تزدهر، وتُدين بالكثير إلى عنصر التصميم؛ وهو ربط أدوات “لماذا” و”ماذا” و”كيف”.
التصميم ليس فناً
التصميم: خطة أو رسم يُنفّذ لإظهار الهيئة والوظيفة أو معالجات تُجرى على غرضٍ ما قبل بناءه أو صنعه.
وُجدت الأعمال التجارية لتقديم حلول، كيف ذلك؟ هنا يكمن السر؛ فالحل يُصمم، والأجمل من هذا، أنّ الحل بذاته هو تصميم.
التصميم ليس فناً، التصميم ينظر في وجه المشكلة ويستفسر “لماذا؟” التصميم الجيد يطرح أسألة “ماذا” و”كيف”، لكن التصميم العظيم يسأل “لماذا” قبل كل شيء. الحلول اللامعة لا تُلد إلا من رحم “لماذا”، وقد برهن (فيسبوك) و(أبل) وشركات عظيمة أخرى هذه المسألة مراراً وتكراراً، لكن لطالما كان فِكر التصميم هو القادر على صناعة الفارق.
قيمة التصميم الحقيقية
لماذا جرت العادة أن يُعامل التصميم كما يُعامل فن الديكور؟ أظنّ الخطأ خطأنا كمتخصصين في صناعة التصميم، فنحن لم نسخّر وقتاً كافياً للكتابة حول قيمة التصميم الحقيقية أو التحدث عنها، ولو أنه على صعيدٍ ما كل ما حولنا جاء نتيجة تصميم.
لندن مثال جيد، فقد قضيت الأسبوع الفائت هناك وكالعادة وجدت التنقل عبر أرجاء المدينة سلسٌ وسهل، لماذا؟ بفضل مترو الأنفاق وتحديداً خريطة ولافتات مترو الأنفاق، فمن دونها لكنت ضللت طريقي. لولا التفاعلات جيدة التصميم التي تُركز على السبب (الإجتماعي)، لضلّ (فيسبوك) الطريق، فمن دون فهم السبب وإلحاقه بردة فعلٍ تصميمة على علاقة بالموضوع، ستضّل المصلحة طريقها.
التصميم ليس فناً، مسألته تدور حول براعة خَلق الحلول لمشاكل حقيقية. أحببت الطريقة التي وصف فيها (مارك بولتون) التصميم في الكُتيب:
“نحن نشق طريقنا إلى الأمام حيث نستهله بفهم المشكلة أياّ كانت، وننظر بعناية إلى العميل والتجارة والسوق والأهداف والجمهور والمستخدمين، ثم نبحث عن وسائل نحكي من خلالها القصة الحقيقية”
إنه التصميم – الذي عرّفه بإيجاد وسائل نحكي من خلالها القصة الحقيقية – ما سيُرشدك إلى طريق النجاح. التصميم هو الإجابة التي تسعى وراءها المصلحة التجارية.
ستيف فيشر