مقالة رسمية نشرتها مرسيدس بنز تصف فيها نشاطات (استوديو التصميم المتقدم) في (كومو) في إيطاليا، حيث تم الإفتتاح سنة 1998، والإستوديو متخصص في تطوير الأفكار الجديدة التصميمية للمقصورة الداخلية. مدير الإستوديو الحالي هو (مايكل ياخ باغينتي) الذي خلف السيد (نوربير ويبر) في عام 2006. كان إختيار الموقع مدروس، نظراً بأنّ منطقة جنوب أوروبا لا يُعلى عليها عند الحديث عن مصدر إلهام يتنقل بين الثقافة وطريقة الحياة والتصميم والموضة والفنون المعمارية.
الإلهام عنصر هام جدًا في عملية تطوير أفكار التصميم الداخلي للمركبات، وذلك بالضبط هو اختصاص (استوديو التصميم المتقدم) في (كومو).
” لو نظرنا إلى الإنجازات، فإن (استوديو التصميم المتقدم) في (كومو) أثبت نجاحه “، هكذا قال (بيتر فيفير) رئيس التصميم في مرسيدس بنز في فعالية أقيمت سنة 2008 للإحتفال بالذكرى السنوية العاشرة على إفتتاح الإستوديو، وقد أضاف: ” هنا حيث تُطوَّر الخواطر التصميمية الداخلية الهامة كمُولّدات أفكار لسيارات المستقبل“
إلى جانب الإستوديوهات الأخرى في (إرفيني) في الولايات المتحدة وفي (يوكوهاما) في اليابان، كانت (كومو) الموقع الذي اختارته الشركة لإفتتاح (استوديو التصميم المتقدم) الثالث لها، والغرض من ثلاثتهما واحد، حيث صرّح (فيفير) قائلاً: ” هدفنا هي محاولة توقع ميولات وأهواء الناس المستقبلية قدر ما أمكننا“، وقد أضاف: ” وفقًا للمخطط المثالي، سنزرع هذه الميولات في أنفسنا، فهدفنا هو صنع أكثر سيارة مرغوبة في العالم في أعين كل زبائننا“
صرّح مصمم مرسيدس بنز الأسبق (هانز هارالد هانسون)، الذي يشغل الآن منصب استراتيجية الأفكار التصميمة في (سيندلفينغن): “الأفكار الجديدة تحتاج إحساسًا بالمساحة والإلهام، ولهذا نحن في (استوديو التصميم المتقدم) احتجنا إلى مكانٍ حيث يمكننا فيه السير على درب ميولات المستقبل في التصميم الداخلي“. إنه الرجل الذي طوّر الإستوديو في (كومو) من حيث جميع الجوانب التخطيطية والإدارية التي استلزمها المشروع، وقد كان مدير الموقع في أول عامين.
قال (هانسون) موضحًا الأسباب وراء إختيار الموقع: ” مُثلث (كومو) و (ميلان) و (تورين) موطنٌ لصناعة الأثاث والموضة، والجودة والحِرف التقليدية عنوانٌ صريح، ولذلك فإن المكان يُشكل بيئة مثالية لـ (إستوديو التصميم المتقدم) “.
وهناك سببٌ آخر بارز لإختيار (كومو)؛ فإيطاليا واحدة من أكبر الأسواق مبيعاً لسيارات مرسيدس.
بدأ البحث عن عقارات ملائمة منذ شهر يونيو من عام 1997، فالمبنى لن يستضيف فحسب 15-20 من المصممين وصانعيّ النماذج والمصممين الداخليين والمهندسين وجميعهم يسعون لإضفاء قيمة على المقصورة الداخلية لسيارات المستقبل في بيئة عمل ممتعة ومساعدة، بل أيضًا لا بد من توافر مساحة لإيواء مركبات بحجمها الحقيقي، وبالتالي الحاجة إلى أبواب عريضة للمبنى إضافةً إلى أرضيات قوية.
أخيرًا وقع الإختيار على (فيلا سالازار) الكائنة على مقربة من ضفاف (بحيرة كومو) والتي كانت في يوم ما مُنشأة إنتاجية لمصمم الموضة الإيطالي (جياني فيرساتشي) الذي كان يشتهر بتصميم ربطات العنق. في الواقع، تُشير مصادر موثوقة أنّ عديد تصاميمه قد استلهمها من التصاوير الجِصّية التي ما زالت إلى اليوم تُزيّن جدران وأسقف الفيلا التي تعود إلى عام 1750.
اليوم (هانسون) كما عهدناه دومًا مولعًا بالعقارات، فقد قال: ” لقد وُفّقنا في اختيار مكان الإستديو، فمن الناحية الإنشائية، الفيلا مبنية على الطراز الحديث ومع وجود تلك الأسقف المزينة بأسلوب معاصر وغرف ذات جودة عالية وأرضيات متضادة من التراكوتا والخشب، فإنّ أسلوب الإستوديو مصدر إلهام لا ينضب“.
المصممون المبدعون في (كومو) يُغطون مجالاً واسعًا من المهمات؛ فهم يقومون بعمليات البحث العادية ويعملون على تصاميم الخطط الإبتدائية ويبنون النماذج، وفي كل المراحل يُحاولون تخطي كل الحدود في مسعىً منهم لتطوير التصميم الداخلي لسيارة المستقبل. إن كانوا بصدد تطوير مناهج جديدة، فإنها مَهمة تتطلب خرق بعض العادات والتقاليد المتعارفة. لكنه من الهام جدًا وبأيّ ثمن الحفاظ على شمائل مرسيدس التي تُحدد هويتها، كالأناقة والديناميكية والجودة، وفي هذا الصدد صرّح رئيس التصميم الأسبق (برونو ساكو) عندما عرّف دور (استوديو التصميم المتقدم) في (معرض تورين للمحركات) في أبريل 1998 قائلاً: ” تلقائيًا لا بد أن نأخذ في الحسبان المتطلبات الخاصة الخاضعة للعلامة التجارية، لكن يجب أن يُنظر إلى كل مشروع من وجهة نظر بعيدة المدى، بحيث نَصف الميّزات التصميمية لمركبات مرسيدس مزامنةً مع التزامنا بإستراتيجية تصميمنا وتطويرها المستمر“.
بخلاف التصميم الخارجي لسيارة ما، التصميم الداخلي أولاً وقبل كل شيء لا يدور حول وضع نحتٍ جميلٍ على الطريق. ” في عملية التصميم الداخلي، لطالما كان التركيز مُنصبٌ على الكيان البشري، وبالتالي نحن نهتم على سبيل المثال بطرح أسئلة حول طريقة جلوس الزبون على المقعد داخل السيارة، والأحاسيس التي يتوق إليها عندما يعيش تجربة القيادة“، هكذا وضّح (هانز هارالد هانسون). إضافةً إلى المواصفات البنائية التي تجعل البيئة الداخلية عملية وسهلة الإستخدام، المصمم مُلتزم لتسخير جميع الأحاسيس.
المظهر إذًا يلعب دورًا هامًا، لكنّ الرائحة والسَمعيات واللمس أيضًا تلعب أدوارًا هامة إذا ما أراد أحدهم أن يشعر كما لو كان في منزله عندما يخوض تجربة قيادة.عادةً ما يُحدث تصميم مفتاح أو فتحة ما داخل السيارة فارقًا معتبرًا ولا سيما فيما يتعلق بهوية العلامة التجارية، حيث ذكر (بيتر بيفير): “التصميم يُجسّد قيم الشركة“، وقد أضاف: ” حتى لو غاب شعار النجمة، لا بد أن يستطيع الناس تمييز السيارة على أنها سيارة مرسيدس بنز“
لكن كيف يمكن للمصمم في (كومو) أن يستبصر المستقبل؟
يقول (هانسون): ” عند النظرة الأولى، يظهر وأنّ أشياء كثيرة مما جمعناها لا يُوجد لها تطبيقات واضحة في السيارة، لكن التكنولوجيا تُحرز تقدمًا مدهشًا، فما يكون مستحيلٌ اليوم، لعله عالم الغد الذي ينتظر السيارات”
إلى يومنا هذا، المصممون يجمعون كل الأغراض مهما كانت والتي يُمكن أن تُسخَّر بطريقة مفيدة ذات يوم، هذه الأغراض تشمل منتجات يدوية الصنع إضافةً إلى عناصر عالية التقنية تَستخدم تكنولوجيا النانو أو البيونيك على سبيل المثال. دائمًا يُشيد المصممون بالغرانيت مثلاً، ففي مرحلةٍ سابقة لم يتصور أحد استخدام هذه المادة القاسية لتصميم خطوط الكفاف والسطوح ثلاثية الأبعاد في المقصورة الداخلية للمركبة، لكن اليوم صار من الممكن استخدام طبقة غرانيت شديدة الرّقة على السطوح، وهي فكرة موجودة سلفًا في برنامج “ديزاينو” التابع لمرسيدس بنز.
الدكتور (هيربيرت كوهلار) ناحية اليمين و (بيتر فيفير) يناقشان التصميم الداخلي لـطراز “F700” في (استوديو التصميم المتقدم) في (كومو)
إنها مهمة تتطلب صبرًا عظيمًا في الأعمال الجمالية المرهقة، قد يستغرق الأمر سنوات عديدة قبل زراعة البذرة النهائية لفكرة تصميم داخلية معينة داخل المركبة. مقصورة النموذج الإبتدائي لسيارة (مرسيدس بنز أف 400) التي قُدمت أول مرة في (طوكيو) سنة 2001، كانت أولى النتائج الملموسة لـ (استوديو التصميم المتقدم). وبعدها في (ديترويت) سنة 2002، جاءت ( فيجِن جي أس تي)، وهي بُشرى لفئة (آر) من مرسيدس وتبع ذلك النموذج الإبتدائي لسيارة (أف 500) في طوكيو 2003. في (واشنطن) سنة 2005 ألقى الحضور نظرتهم الأولى على سيارة مرسيدس التي تستخدم الهندسة البيونيكية، وفي نفس العام في (طوكيو) قدّمت الشركة النموذج الإبتدائي لسيارة (أف 600 هايجينيوس) والتي دمج فيها المصممون المواد الكلاسيكية كالخشب والجلد مع هُلامٍ بلاستيكي يتلألأ بالأصفر لإضفاء ألوانٍ مفعمة بالحياة تُسلّط الضوء على المقاعد والفسحة تحتها. أمّا في سيارة مرسيدس (أف 700) التي قُدمت سنة 2007، كان التشديد على مادتيّ الفلين ونسيج “ألتراسيد” الشبيه بجلد الغزال. حتى أنّ الشمال الإيطالي شهد إطلاق فئة مركبات محدودة الإنتاج وعالية التقنية سنة 2003 بالتعاون مع مصمم الموضة (جورج أرماني) وقد كانت هذه السيارة هي (سي أل كيه)، فلم يُنتج منها سوى 100 سيارة. استوحى (أرماني) إلهامه في إختيار لون ومادة التصميم من السيارات الكلاسيكية الأسطورية يدوية الصنع، وعلى غرار مصممو مرسيدس في الشمال الإيطالي، هو أيضًا اختار مواّده من بيئته المألوفة ودمجها معًا لتُعطي تجربةً جديدة خارقة تمامًا.
“سِمات عملنا في (استوديو التصميم المتقدم) قد تغيّرت بطريقةٍ ما منذ السنوات الأولى. كان هدفنا الرئيسي في البداية هو تطوير استوديو كومو ليكون خلية تفكير؛ مكانٌ حيث يستطيع المصممون الإهتداء إلى مصدر إلهامٍ ليفكروا فيما لا يُفكر فيه أحد، الآن نحن نُسخّر خبرة الإستوديو في تصميم السيارات الإنتاجية “، هذا ما قاله (هانز هانسون).
(مايكل ياخ باغينتي)
لا يرى (هانسون) أيّ ضررٍ في منحنى التطور هذا، بل على النقيض فإنّ الأفكار التصميمية النابعة من (كومو) قد وجدت طريقها إلى فئة لا تقل هيبةً عن فئة (أس) الحالية.
من هو (مايكل ياخ باغينتي)
إنه مواطنٌ سويسري وُلد سنة 1967 في الشّق الإيطالي من سويسرا (لوكارنو). تخرج من (كلية مركز فنون التصميم) بشهادة “تصميم مواصلات النقل” في سنة 1991 وعمل كمصمم سيارات داخلي في مجموعة فولكسفاجن من 1991 وحتى 2000. انتقل بعد ذلك إلى ديملار كرايسلار للتصميم المتقدم في إيطاليا في النصف الثاني من عام 2000، ورُشّح ليشغل منصب مدير (إستوديو التصميم المتقدم) في نهاية سنة 2006.