عندما تستهل أولى خطواتك على درب تصميم شعارٍ جديد، سرعان ما يُصيبك الورق الفارغ بالذعر، فهناك شركة أو مصلحة تجارية قد استثمرت اسمها ومالها فيك أنت، وبات عميلك يترقب عملاً فيه من التفرّد والإبداع والخصوصية ما يُفرز “بصمة إصبع” لشركته. تبسيط سير العملية وصبّ تركيزك عليها أمران ضروريان جنباً إلى جنب مع “ملخصات التصميم” ورسم “السكيتشات”، لكن هنالك ثلاثة عوامل لها شأنٌ كبير في تحديد مدى نجاح التصميم. سل نفسك، هل هذا التصميم يعبر حقاً عن شخصية وثقافة وتاريخ تجارة عميلك؟
الشخصية
تعريفها: الجوانب المرئية لطبيعة شخصٍ ما والتي تعكس آثارها على الآخرين
شخصية الشعار -أو سلوكه- تلعب دوراً مماثلاً كالذي تلعبه في أي إنسان فتعكس بضعةً من أمزجته وشُيمه المختلفة. ثمّة شعارات مسلية وهناك الغاضبة الوسعيدة والهادئة والحيوية والمُغازلة وغريبة الأطوار والأنيقة وما إلى ذلك. يتوجب على الشعار عكس الشخصية الحقيقية لمالكه، فهو يلعب دوراً هاماً في عملية التسويق ولذلك يُنصح في تثبيت نماذج أصلية تخص العلامة التجارية لكل مشروع قبل أن تخطو أي خطوة.
وضوح خط الرسم واللون والشكل وأساليب الخطوط؛ هي عناصر هاّمة للتأثير على شخصية الشعار، فأي تغييرٍ طفيف على أيٍّ من هذه العناصر يُمكنه تبديل مزاج التصميم عن بكرة أبيه.
الثقافة
تعريفها: خصلةٌ في الشخص أو المجتمع تنبثق من اهتمام يُنظر إليه بعين الإمتياز في مجالات الفن والأدب والأخلاق والتحصيل العلمي.
أحياناً تُساعدني الثقافة للنظر إلى العلامة التجارية بأنها دولة نفسها. على غرار دول كثيرة من دول العالم، أيّ علامة تجارية تُطرح ستتمتع بقيمها وعاداتها ولغتها واعتقاداتها الخاصة بها، فإن كانت الشخصية تُحدد “ماهيتهم” فالثقافة لها القدرة على تحديد “سلوكياتهم”.
عند تمثيل ثقافة أحدهم، فإنّي أستخدم ألواناً وأنماطاً ونموذجاً ورموزاً أخرى لأعكس شخصية الفرد أو المصلحة، فجميعها سماتٌ لها قدرة تأثيرية قوية على تصميم أي شعار.
التاريخ
تعريفه: فرع المعرفة الذي يُعنى بوقائع الماضي
غالباً ما يكون التاريخ أسهل العوامل الثلاثة لتمثيله، إلاّ أنه الأكثر تبدلاً من مشروعٍ لآخر. في حال الشركات العريقة التي رسّخت هويتها وبعض القيم في شعاراتها، كل ما يحتاجونه هو مجرد تحديث لنقاط ضعف العلامة الحالية. أما بالنسبة للتصاميم الجديدة، تُصبح المسألة أعقد، وهنا أنصح في البحث عن قصة تدور حول تأسيس الشركة وظهورها على الساحة أو قصة حول المالك أو ربما حول المنطفة التي تأسست فيها الشركة. الجميع لديه قصة يحكيها، وإن كانت نابعة من ثنايا الهوية أو تتعلق في صلبها، فزيادة الخير خير.
أسلوب الكتابة وقصة العلامة التجارية والشعارات السابقة ربما تكون عواملَ مهمة في تمثيلك للتاريخ.
أهمية التداخل
هناك نوعٌ من التداخل بين تلك العوامل الثلاث؛ فالتاريخ والثقافة يُساعدان في تكوين الشخصية، والتاريخ والشخصية يُحددان الثقافة، والشخصية والثقافة يبرُزان من التاريخ. جميعها مضفورة في جدلة واحدة، كلٌ يحمل أهميته الخاصة. تصور كل عاملٍ من هذه العوامل كقطعةٍ من فطيرة، فالفطيرة لا تكتمل إن فقدت إحدى قِطعها.
دعونا نرى مثالاً لهذه العوامل مُسخّرة في غاية ذات مغزى، وآخر يُفسد العلامة
تصنع شركة (بي أم دبليو) سياراتٍ تُوحي بمظهر شعارها: خالية من العيوب وبسيطة ومتأنقة وهلم جرا. جزئي المفضل من الشعار هو تمثيلهم للتاريخ. كانت (بي أم دبليو) في الأساس تصنع محركات طائرت في مطلع القرن العشرين، الأبيض والأزرق في الشعار لعلهما يمثلان أحد أمرين: داسرٌ أبيضٌ يدور ومن خلفه سماء زرقاء أو علمٌ بافاري مخيطٌ من قماش ترابيع زرقاء وبيضاء.
لا شك وأنّ مطاعم (ماكدونالدز) لديها واحداً من أكثر الشعارات تمييزاً حول العالم، وبالنسبة لشركة ضخمة وناجحة على شاكلتهم فهم لا يطمحون لأكثر من ذلك. لكن دعونا ننظر إلى الشعار كما لو كنّا نراه أول مرة ولدينا فكرة وجيزة عن التصميم بأنه يعود لمطعمٍ أمريكي للوجبات السريعة يُقدم شطائر الهامبرغر ويستهدف في الأساس الأطفال والمراهقين. حينها ستروقك سمة الأقواس التي تُوحي بابتسامة لطيفة ورقيقة، وهنا بالضبط تقع الشخصية. الآن، هل أنا مخطأ أم فعلاً هناك فقرٌ مدقع في الصورة المرئية للثقافة والتاريخ هنا؟ بالنسبة لي، هذا الشعار قد يصلح لأي مصلحة أخرى تحمل نموذجاً أصلياً “طاهراً” أو “رعوياً” لعلامتها التجرية.
الشخصية والثقافة والتاريخ يُمكن تطبيقها على المادة الطباعية، لذا خُذ في حسبانك في مشروعك القادم عوامل شخصية وثقافة وتاريخ عميلك، إن استطعت تمثيل الثلاث، ستكون على الدرب الصحيح في تقديم هويةٍ متينة.